إذاً ليس كل ما يراه الناس ظاهراً هو الظاهر وما عداه مجاز هذا هو المقصود، ولذلك ((
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ))[يوسف:82] ليس فيها مجاز؛ لأن القرية تطلق على أهل القرية وهم السكان، وتطلق على البيوت المسكونة، فإن مررنا على بيوت خراب لا سكان فيها فإننا نقول: مررنا على قرية ونسكت؛ لأن المستمع يفهم أنك مررت على أناس، فلابد أن تقول: خربة، كما قال تعالى: ((
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ))[البقرة:259]، فإذا لم يقل الله عز وجل: (وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) فإننا نفهم أنها قرية فيها أناس.إذاً: فليس هناك مجاز ولا شيء، وإنما الأمر -كما قال شيخنا
محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله- أسلوب عظيم من أساليب العرب في الفصاحة والتعبير، وما قعده
المعتزلة وأشباههم من أن هذا مجاز، وهذا استعارة؛ فكله مردود عليهم، فهذه الآيات ليس فيها مجاز، فإن أطلقنا القرية على المساكن، أو أطلقنا القرية على أهل القرية فكلا المعنيين صحيح، ولكل منهما في موضعه نكتة بلاغية ليس هذا موضع تفصيلها.قال
الحافظ رحمه الله: (وقال
الخطابي : هذه أمثال، والمعنى: توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء) أي: أنه يوفق في أعماله، وتيسير له المحبة فيها؛ وذلك بأن يحفظ عليه جوارحه ويعصمه عن مواقعة ما يكره سبحانه من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله.فمعناه: أن الله يحفظه، أي: كنت حافظه، وهذا قريب من القول الذي فيه تقدير المضاف.قال: (وإلى هذا نحا
الداودي ، ومثله
الكلاباذي ، وعبر بقوله: أحفظه فلا يتصرف إلا في محابي؛ لأنه إذا أحبه كره له أن يتصرف فيما يكرهه منه).